مراجعة: صيدلي مصطفى سيف النصر
ما هو الدور الاستراتيجي للاستثمار الوقائي في تقنية CGM في تخفيف العبء الاقتصادي للسكري على أنظمة الرعاية الصحية الخليجية؟
تواجه دول مجلس التعاون الخليجي أزمة صحية عامة لا يمكن تجاهلها؛ السكري لم يعد مجرد تحدٍ، بل تحول إلى قنبلة اقتصادية موقوتة تهدد استدامة أنظمة الرعاية الصحية الوطنية. مع تصنيف دول خليجية باستمرار ضمن الأعلى عالميًا في معدلات انتشار السكري، فإن التكاليف المالية المرتبطة به تتصاعد بوتيرة مقلقة. في عام 2019 وحده، تجاوزت التكلفة الإجمالية للسكري في دول مجلس التعاون الخليجي 13.2 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن تصل النفقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 46.3 مليار دولار بحلول عام 2045.
تُظهر الأرقام الخاصة بكل دولة حجم العبء المالي الهائل. في المملكة العربية السعودية، قُدرت التكلفة الطبية السنوية للمرض بـ 4.53 مليار دولار في عام 2014، وهو ما يمثل حوالي 17.5% من ميزانية وزارة الصحة عند تضمين المرشحين بمقدمات السكري. وفي دراسة حديثة بمدينة حائل، بلغ متوسط التكلفة السنوية الإجمالية للشخص الواحد 6,689 دولارًا أمريكيًا. أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد بلغت التكلفة المباشرة الإجمالية 4.16 مليار دولار في عام 2018، أي ما يعادل 23.25% من إجمالي الإنفاق الصحي و1% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، مع توقعات بارتفاع الفاتورة السنوية إلى 3.4 مليار دولار بحلول عام 2031.
لكن القصة الحقيقية وراء هذه الأرقام الصادمة لا تكمن في تكاليف الأدوية والفحوصات الروتينية، بل في المحرك الأكبر للإنفاق: علاج المضاعفات المدمرة والمكلفة. تشير الدراسات إلى أن التكاليف غير المباشرة، مثل خسائر الإنتاجية الناجمة عن الإعاقة والوفاة المبكرة، تمثل ما بين 80% إلى 94% من إجمالي العبء الاقتصادي. فصاحب السكري الذي يعاني من مضاعفات في الأوعية الدموية الدقيقة والكبيرة في الإمارات يكلف النظام الصحي 9.4 مرات أكثر من المريض الذي لا يعاني من مضاعفات. هذه المضاعفات، التي تشمل أمراض القلب والأوعية الدموية، والفشل الكلوي، واعتلال الشبكية الذي قد يؤدي إلى العمى، وتلف الأعصاب الذي قد ينتهي بالبتر، هي التي تستنزف الموارد وتضع ضغطًا هائلاً على الميزانيات الصحية. هذا الواقع يفرض على صانعي السياسات ومسؤولي القطاع الصحي طرح سؤال استراتيجي: هل نستمر في الإنفاق بشكل تفاعلي على العواقب، أم نستثمر بشكل استباقي في الوقاية؟
التحول من الإنفاق التفاعلي إلى الاستثمار الوقائي
إن النموذج الحالي للإنفاق على الرعاية الصحية في معظم دول الخليج هو نموذج تفاعلي بطبيعته؛ حيث يتم تخصيص مبالغ طائلة لعلاج المراحل المتقدمة من المرض ومضاعفاته. هذا النهج، على الرغم من ضرورته لإنقاذ الأرواح، إلا أنه غير مستدام على المدى الطويل في مواجهة وباء متنامٍ. إن الحجة الاقتصادية الآن أصبحت واضحة: التحول نحو نموذج استثماري يركز على الوقاية من المضاعفات هو المسار الوحيد القابل للتطبيق ماليًا.
وهنا يأتي الدور المحوري للتقنيات الحديثة، وتحديدًا أنظمة المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM). هذه التقنية لا تمثل مجرد تحسين تدريجي في رعاية المرضى، بل هي أداة استراتيجية قادرة على تغيير المعادلة الاقتصادية بأكملها. تشير العديد من الدراسات العالمية إلى أن تقنية CGM هي أداة فعالة من حيث التكلفة، مدفوعة بقدرتها على تقليل المضاعفات قصيرة وطويلة الأمد. فكل دولار يتم استثماره في تزويد المرضى بهذه التقنية اليوم يمكن أن يوفر أضعافه في المستقبل من خلال تجنب تكاليف غسيل الكلى، وجراحات القلب المفتوح، وعلاجات فقدان البصر، وعمليات البتر.
إن تبني تقنية CGM على نطاق واسع لا ينبغي أن يُنظر إليه كتكلفة إضافية، بل كاستثمار مباشر في رأس المال البشري والاقتصادي للدولة. فالوقاية من المضاعفات لا تحافظ على الموارد المالية للنظام الصحي فحسب، بل تحافظ أيضًا على إنتاجية صاحب السكري، وتقلل من أيام الغياب عن العمل، وتخفف العبء على الأسر والمجتمع ككل. إن الانتقال من نموذج "علاج المرض" إلى نموذج "إدارة الصحة" يتطلب أدوات تمكّن المريض والطبيب من اتخاذ قرارات استباقية. وتقنية CGM هي في صميم هذا التحول النموذجي، حيث تحول إدارة السكري من سلسلة من ردود الفعل على قياسات متقطعة إلى عملية إدارة مستمرة وديناميكية مبنية على بيانات دقيقة ولحظية.
تقنية CGM كأداة لخفض التكاليف: آلية العمل
إن القيمة الاقتصادية لتقنية المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM) لا تنبع من كونها جهازًا متطورًا، بل من قدرتها المباشرة على معالجة الأسباب الجذرية للتكاليف المرتفعة في إدارة السكري. تعمل هذه التقنية كأداة متعددة الأوجه للوقاية والتحكم، مما يقلل العبء المالي من خلال عدة آليات رئيسية:
- الحد من حالات الطوارئ والمضاعفات الحادة: تُعد نوبات هبوط السكر الحاد (Hypoglycemia) وارتفاعه الشديد، والتي قد تؤدي إلى الحماض الكيتوني السكري (DKA)، من الأسباب الرئيسية لزيارات غرف الطوارئ والاستشفاء قصير الأمد. تتميز أنظمة CGM الحديثة، مثل AiDEX، بإنذارات قابلة للتخصيص تنبه المريض قبل وصول مستويات الجلوكوز إلى نطاقات خطيرة، سواء كانت منخفضة أو مرتفعة. هذه الإنذارات التنبؤية تمنح المريض وقتًا ثمينًا لاتخاذ إجراءات تصحيحية، مثل تناول وجبة خفيفة أو تعديل جرعة الأنسولين، وبالتالي تجنب حالة طارئة مكلفة. كل زيارة لقسم الطوارئ يتم تجنبها وكل يوم استشفاء يتم منعه يترجم إلى وفورات مالية مباشرة وملموسة للنظام الصحي.
- تحسين التحكم في سكر الدم ومنع المضاعفات طويلة الأمد: إن المحرك الأساسي للمضاعفات طويلة الأمد (أمراض القلب، الكلى، العيون، الأعصاب) هو ضعف التحكم في مستوى السكر التراكمي (HbA1c) والتقلبات الكبيرة في مستويات الجلوكوز. توفر تقنية CGM صورة كاملة ومستمرة على مدار الساعة لمستويات الجلوكوز، على عكس القياسات المتقطعة بوخز الإصبع التي لا تكشف سوى عن لقطات محدودة. هذه البيانات الغنية تُمكّن الأطباء والمرضى من فهم تأثير الطعام والنشاط البدني والأدوية بشكل دقيق، مما يسمح بتعديل خطط العلاج بفعالية أكبر. أظهرت الدراسات أن استخدام CGM يرتبط بانخفاض كبير في مستوى السكر التراكمي وتحسين "الوقت في النطاق" (Time in Range)، وهو مؤشر رئيسي لجودة التحكم في السكري. هذا التحكم المحسن على المدى الطويل يؤخر بشكل كبير أو يمنع ظهور المضاعفات، التي تشكل الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية للمرض.
- تعزيز كفاءة النظام الصحي: تتيح تقنية CGM، خاصة عند دمجها مع منصات الصحة الرقمية وتطبيقات الهواتف الذكية، إمكانية المراقبة عن بعد. يمكن للمرضى مشاركة بياناتهم بسهولة مع فرق الرعاية الصحية، مما يقلل من الحاجة إلى زيارات متكررة للعيادات ويسمح باستشارات أكثر كفاءة وتركيزًا. يمكن للأطباء مراجعة اتجاهات الجلوكوز على مدى أيام وأسابيع بدلاً من الاعتماد على سجلات متفرقة، مما يؤدي إلى قرارات علاجية أفضل في وقت أقل. هذا التحول نحو الرعاية الاستباقية والمراقبة عن بعد يحرر موارد قيمة في النظام الصحي يمكن توجيهها نحو الحالات الأكثر تعقيدًا.
باختصار، تعمل تقنية CGM على تحويل إدارة السكري من ممارسة قائمة على رد الفعل إلى استراتيجية استباقية. من خلال منع الأزمات الحادة، وتأخير المضاعفات المزمنة، وزيادة كفاءة تقديم الرعاية، تساهم هذه التقنية بشكل مباشر في خفض التكاليف الإجمالية للسكري على المدى الطويل، مما يجعلها استثمارًا ذكيًا لأي نظام صحي يسعى إلى الاستدامة المالية.
دراسة حالة: بناء نموذج اقتصادي لتأثير CGM في دولة خليجية
لتوضيح التأثير المالي المحتمل لتبني تقنية CGM على نطاق أوسع، يمكننا بناء نموذج افتراضي يستند إلى البيانات المتاحة من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي يبلغ عدد المصابين بالسكري فيها حوالي 1.27 مليون شخص، وبلغت التكلفة المباشرة الإجمالية للمرض 4.16 مليار دولار في عام 2018.

الافتراضات الأساسية للنموذج:
- تكلفة المضاعفات: تكلفة المريض المصاب بمضاعفات أعلى بـ 9.4 مرات من المريض غير المصاب.
- متوسط التكلفة السنوية للمريض: يبلغ متوسط التكلفة السنوية المباشرة للمريض الواحد حوالي 2,969 دولارًا.
- نسبة المرضى المعرضين لمضاعفات: لنفترض بشكل متحفظ أن 20% من المرضى سيصابون بمضاعفات كبيرة ومكلفة على مدى السنوات العشر القادمة في ظل نموذج الرعاية الحالي.
- فعالية CGM في تقليل المضاعفات: تشير الدراسات إلى أن التحكم الجيد في سكر الدم يمكن أن يقلل بشكل كبير من خطر المضاعفات. لنفترض أن الاستخدام الفعال لـ CGM يمكن أن يقلل من حدوث مضاعفات جديدة بنسبة 30% بين المستخدمين.
السيناريو الأول: الوضع الراهن (بدون توسع في استخدام CGM)
عدد المرضى المعرضين لمضاعفات على مدى 10 سنوات: 1,274,200 * 20% = 254,840 مريضًا.
التكلفة الإضافية السنوية لهؤلاء المرضى: 254,840 * (2,969 دولار * 9.4 - 2,969 دولار) = 6.36 مليار دولار سنويًا. هذا الرقم يمثل التكلفة الإضافية الهائلة التي سيتحملها النظام الصحي سنويًا بسبب المضاعفات الجديدة وحدها.
السيناريو الثاني: تبني CGM بنسبة 50% بين المرضى
عدد المرضى المستخدمين لـ CGM: 1,274,200 * 50% = 637,100 مريض.
عدد حالات المضاعفات التي تم تجنبها بفضل CGM: (637,100 * 20%) * 30% = 38,226 حالة.
الوفورات المالية السنوية من منع المضاعفات: 38,226 * (2,969 دولار * 9.4 - 2,969 دولار) = 954.5 مليون دولار سنويًا.
تحليل التكلفة مقابل الفائدة:
سوق أجهزة CGM في الشرق الأوسط وأفريقيا ينمو بسرعة، ومن المتوقع أن يصل إلى 1.07 مليار دولار بحلول عام 2033. حتى لو افترضنا أن تكلفة تزويد 637,100 مريض بـ CGM ستكون كبيرة في البداية، فإن الوفورات السنوية البالغة حوالي 955 مليون دولار من منع المضاعفات وحدها تظهر عائدًا قويًا على الاستثمار. علاوة على ذلك، هذا النموذج لا يأخذ في الحسبان الوفورات الإضافية الناتجة عن انخفاض زيارات الطوارئ، وتقليل أيام الاستشفاء، وزيادة الإنتاجية الاقتصادية للمرضى الذين يتمتعون بصحة أفضل.
يوضح هذا النموذج المبسط أن الاستثمار في تقنية CGM ليس مجرد إنفاق على الرفاهية، بل هو قرار اقتصادي سليم. إنه يمثل تحولًا استراتيجيًا من دفع تكاليف باهظة لعلاج الفشل الحتمي للنظام الصحي، إلى الاستثمار في الأدوات التي تمنع هذا الفشل من الحدوث في المقام الأول، مما يضمن استدامة النظام الصحي على المدى الطويل.
لتسهيل فهم هذه البيانات المعقدة، يمكن تلخيص النموذج في الجدول التالي:
المقياس | السيناريو 1: الوضع الراهن (بدون توسع في CGM) | السيناريو 2: تبني CGM بنسبة 50% |
---|---|---|
عدد المرضى | 1,274,200 | 1,274,200 |
المرضى الذين يصابون بمضاعفات (توقع 10 سنوات) | 254,840 | 216,614 (تم تجنب 38,226 حالة) |
التكلفة السنوية الإضافية من المضاعفات الجديدة | 6.36 مليار دولار | 5.40 مليار دولار |
الوفورات المالية السنوية من منع المضاعفات | 0 دولار | 954.5 مليون دولار |
الوفورات غير المحسوبة | لا ينطبق | انخفاض زيارات الطوارئ، الاستشفاء، زيادة الإنتاجية |
يقدم هذا الجدول مقارنة مرئية ومباشرة توضح أن عدم اتخاذ إجراء يؤدي إلى تكاليف هائلة، بينما يؤدي الاستثمار إلى وفورات ضخمة، مما يوفر أداة قوية لدعم اتخاذ القرار.
هل دمج تقنية قياس الجلوكوز المستمر (CGM) في الاستراتيجيات الصحية الوطنية ضروري؟

إن الأدلة السريرية والاقتصادية تشير بوضوح إلى حقيقة لا يمكن إنكارها: تقنية المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM) لم تعد أداة اختيارية أو ترفًا، بل هي عنصر حاسم في أي استراتيجية جادة ومستدامة لمواجهة وباء السكري في منطقة الخليج. إن الاستمرار في النموذج التفاعلي الذي يركز على علاج المضاعفات المكلفة هو مسار غير قابل للاستمرار ماليًا، وسيؤدي حتمًا إلى إرهاق الميزانيات الصحية وتقويض جودة الرعاية.
لذلك، يجب على صانعي السياسات ومسؤولي القطاع الصحي وشركات التأمين اتخاذ خطوات جريئة وحاسمة لدمج تقنية CGM في صميم الرعاية الصحية. وهذا يتطلب تحركًا منسقًا على عدة جبهات:
- توسيع التغطية التأمينية: يجب على شركات التأمين الصحي والهيئات الصحية الحكومية مراجعة سياساتها لتشمل تغطية واسعة لأنظمة CGM، ليس فقط لمرضى السكري من النوع الأول، بل أيضًا للفئات عالية الخطورة من مرضى النوع الثاني. يجب أن يُنظر إلى هذا القرار ليس كتكلفة، بل كاستثمار مباشر في خفض النفقات المستقبلية، كما هو موضح في سياسات التغطية العالمية التي تربط الضرورة الطبية بالوقاية من المضاعفات.
- الدمج ضمن الخطط الصحية الوطنية: يجب أن تدمج الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الأمراض غير السارية، مثل رؤية السعودية 2030 والخطط المماثلة في دول الخليج، أهدافًا واضحة لزيادة تبني التقنيات الحديثة لإدارة السكري. يمكن أن يشمل ذلك إطلاق برامج وطنية لتوفير الأجهزة المدعومة للفئات الأكثر حاجة، وربط استخدامها بمؤشرات الأداء الرئيسية للنظام الصحي.
- إطلاق حملات توعية شاملة: بالتوازي مع توفير الوصول، يجب إطلاق حملات توعية وطنية تستهدف المرضى ومقدمي الرعاية الصحية على حد سواء. يجب أن تركز هذه الحملات على الفوائد السريرية والاقتصادية لـ CGM، وتدريب المستخدمين على كيفية الاستفادة القصوى من البيانات التي توفرها، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول استخدامها.
- الاستثمار في البنية التحتية للرعاية الصحية الرقمية: لتحقيق أقصى استفادة من CGM، يجب دعمها ببنية تحتية قوية للرعاية الصحية الرقمية، بما في ذلك منصات التطبيب عن بعد والسجلات الصحية الإلكترونية المتكاملة. هذا سيمكن من المراقبة الفعالة عن بعد وتحليل البيانات على مستوى السكان، مما يوفر رؤى قيمة لصحة المجتمع.
إن مواجهة وباء السكري في الخليج تتطلب أكثر من مجرد بناء مستشفيات وتوفير أدوية؛ إنها تتطلب شجاعة لتبني الابتكار وإعادة توجيه الموارد نحو الوقاية الذكية والفعالة. إن الاستثمار في تقنية CGM اليوم هو استثمار في مستقبل أكثر صحة واستدامة مالية لمنطقة الخليج بأكملها.
خلاصة الاستثمار الوقائي في تقنية قياس الجلوكوز المستمر (FAQ)
يقدم هذا القسم ملخصًا لأهم النتائج التي توصل إليها التحليل في شكل أسئلة وأجوبة موجزة، تستند حصريًا إلى المعلومات الواردة في هذا التقرير.
س1: ما هو حجم العبء الاقتصادي لمرض السكري في دول الخليج، وما هو دور المضاعفات في هذه التكلفة؟
ج1: يمثل مرض السكري عبئًا اقتصاديًا هائلاً ومتصاعدًا على دول مجلس التعاون الخليجي، حيث وُصف بأنه "قنبلة اقتصادية موقوتة". في عام 2019، تجاوزت التكلفة الإجمالية للمرض 13.2 مليار دولار أمريكي في دول مجلس التعاون الخليجي. وتتجلى هذه التكلفة على المستوى الوطني بأرقام ضخمة، ففي السعودية بلغت التكلفة 4.53 مليار دولار (17.5% من ميزانية الصحة) عام 2014، وفي الإمارات وصلت إلى 4.16 مليار دولار (23.25% من الإنفاق الصحي) عام 2018. المحرك الأكبر لهذه التكاليف ليس العلاج الروتيني، بل علاج المضاعفات المدمرة والمكلفة. وتشير الدراسات إلى أن التكاليف غير المباشرة (مثل خسائر الإنتاجية) تمثل ما بين 80% إلى 94% من إجمالي العبء الاقتصادي. والأهم من ذلك، أن مريض السكري الذي يعاني من مضاعفات يكلف النظام الصحي في الإمارات 9.4 مرات أكثر من المريض الذي لا يعاني منها، مما يجعل الوقاية من المضاعفات (مثل أمراض القلب والفشل الكلوي والعمى) هي العامل الأكثر أهمية في التحكم بالتكاليف.
س2: لماذا يعتبر النهج "التفاعلي" الحالي لرعاية مرضى السكري في الخليج غير مستدام، وما هو البديل المقترح؟
ج2: يعتبر النهج الحالي "تفاعليًا" لأنه يركز على تخصيص مبالغ طائلة لعلاج المراحل المتقدمة من المرض ومضاعفاته بعد حدوثها. هذا النموذج غير مستدام على المدى الطويل لأنه يتعامل مع العواقب بدلاً من الأسباب، وفي مواجهة وباء متنامٍ، يؤدي هذا إلى استنزاف الميزانيات الصحية بشكل مستمر. البديل المقترح هو التحول الاستراتيجي نحو نموذج "استثماري وقائي" يركز على منع المضاعفات قبل وقوعها، وهو المسار الوحيد القابل للتطبيق ماليًا. هذا التحول يعتمد على تبني التقنيات الحديثة، وتحديدًا أنظمة المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM)، التي تُعتبر أداة استراتيجية قادرة على تغيير المعادلة الاقتصادية بأكملها. فكل دولار يتم استثماره في هذه التقنية يمكن أن يوفر أضعافه في المستقبل من خلال تجنب التكاليف الباهظة لعلاج المضاعفات، مما يحول الإنفاق من "علاج المرض" إلى "إدارة الصحة" بشكل استباقي.
س3: ما هي الآليات المحددة التي تساهم من خلالها تقنية المراقبة المستمرة للجلوكوز (CGM) في خفض تكاليف الرعاية الصحية؟
ج3: تعمل تقنية CGM على خفض التكاليف الصحية من خلال ثلاث آليات رئيسية:
- الحد من حالات الطوارئ الحادة: تتميز أنظمة CGM بإنذارات تنبؤية تنبه المريض قبل الوصول إلى مستويات جلوكوز خطيرة (مرتفعة أو منخفضة)، مما يسمح له باتخاذ إجراءات تصحيحية وتجنب زيارات غرف الطوارئ والاستشفاء المكلفة.
- منع المضاعفات طويلة الأمد: توفر التقنية بيانات مستمرة على مدار الساعة، مما يتيح تحكمًا أفضل في مستوى السكر التراكمي (HbA1c) و"الوقت في النطاق". هذا التحكم المحسن يؤخر بشكل كبير أو يمنع ظهور المضاعفات المزمنة (مثل أمراض القلب والكلى والعيون)، والتي تشكل الجزء الأكبر من التكلفة الاقتصادية للمرض.
- تعزيز كفاءة النظام الصحي: تتيح التقنية المراقبة عن بعد، مما يقلل من حاجة المرضى للزيارات المتكررة للعيادات. كما أنها تمكّن الأطباء من اتخاذ قرارات علاجية أفضل وأسرع بناءً على بيانات شاملة، مما يحرر موارد قيمة في النظام الصحي يمكن توجيهها لحالات أخرى.
س4: بناءً على دراسة الحالة الخاصة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ما هو الأثر المالي المحتمل للتبني الواسع لتقنية CGM؟
ج4: يوضح النموذج الاقتصادي الافتراضي لدولة الإمارات أن الأثر المالي سيكون كبيرًا جدًا. في ظل الوضع الراهن (بدون توسع في استخدام CGM)، من المتوقع أن يضيف المرضى الجدد الذين يصابون بمضاعفات عبئًا ماليًا سنويًا إضافيًا قدره 6.36 مليار دولار. في المقابل، إذا تم تبني تقنية CGM بنسبة 50% بين المرضى، فمن الممكن تجنب 38,226 حالة مضاعفات، مما يؤدي إلى وفورات مالية سنوية تبلغ حوالي 954.5 مليون دولار من منع المضاعفات وحدها. ويخلص التحليل إلى أنه على الرغم من التكلفة الأولية لتوفير الأجهزة، فإن هذه الوفورات الضخمة تظهر عائدًا قويًا على الاستثمار، مما يجعل تبني CGM قرارًا اقتصاديًا سليمًا وليس مجرد إنفاق على الرفاهية.
س5: ما هي التوصيات السياسية الرئيسية لدمج تقنية CGM في الاستراتيجيات الصحية الوطنية في منطقة الخليج؟
ج5: يقدم التقرير أربع توصيات رئيسية متكاملة لصانعي السياسات:
- توسيع التغطية التأمينية: يجب على الهيئات الصحية الحكومية وشركات التأمين الخاصة توسيع تغطية أنظمة CGM لتشمل ليس فقط مرضى السكري من النوع الأول، بل أيضًا الفئات عالية الخطورة من النوع الثاني.
- الدمج ضمن الخطط الصحية الوطنية: يجب أن تتضمن الاستراتيجيات الوطنية (مثل رؤية السعودية 2030) أهدافًا واضحة لزيادة تبني التقنيات الحديثة لإدارة السكري، مع إمكانية إطلاق برامج لدعم الأجهزة للفئات الأكثر حاجة.
- إطلاق حملات توعية شاملة: يجب تنفيذ حملات وطنية تستهدف المرضى ومقدمي الرعاية الصحية للتعريف بالفوائد السريرية والاقتصادية للتقنية وتدريبهم على استخدامها الأمثل.
- الاستثمار في البنية التحتية الرقمية: يجب دعم التقنية ببنية تحتية قوية للرعاية الصحية الرقمية (مثل منصات التطبيب عن بعد والسجلات الصحية الإلكترونية) لتحقيق أقصى استفادة من المراقبة عن بعد وتحليل البيانات.